كانت مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد خلال القرون الماضية موضوعا مثيرا جذب الكثيرين من الرحالة والمؤرخين والمستشرقين، وحتى الفنانين الأجانب ممن وفدوا لمصر وعاشوا فيها وجالوا بين ربوعها ورسموا معالمها، وصوروا جوانب من الحياة اليومية بها، وكذلك الباحثون والمحققون والكُتاب الذين سجلوا لنا ما كتبه هؤلاء الرحالة والمستشرقون في مؤلفاتهم، وما سجلوه في يومياتهم، وما رسمه المصورون الأجانب من مظاهر تلك الاحتفالات التي احتلت مساحة كبيرة في المصادر العربية والأجنبية.
وفي كتابها “مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن الثامن عشر” -الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة تاريخ المصريين- نقلت لنا الدكتورة إلهام محمد علي ذهني بعضا مما سجله قناصل فرنسا، والرحالة الذين وفدوا لمصر من فرنسا، عن مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد، مثل تأكيدهم على حب المصريين للفرح وإقبالهم على فنون الغناء والرقص، وأن غرام المصريين بتلك الفنون يتركز في المدن أكثر منه في الريف.
وتدلنا كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين على أن عيدي الفطر والأضحى من الاحتفالات الدينية المهمة في مصر، وأن المصريين يحرصون في أعيادهم على تقديم الطعام، والجلوس على الأرض وهم يتناولون طعامهم المطبوخ بالسمن أو الزيت، وأنهم مغرمون بالفواكه ويأكلون بعد انتهاء الطعام الشمام والبطيخ، وأن من عاداتهم الجميلة أيضا أنه عندما ينظر إليهم أحد عند الأكل لا بد أن يعطوه من طعامهم.
كعك العيد
ويُذكر عن الفاطميين أنهم توسعوا في العناية بكعك العيد، حتى جعلوا له إدارة حكومية خاصة عرفت بـ”دار الفطرة” وكان دور العالمين بها هو تجهيز كعك وحلوى العيد.
وعلى ذكر الكعك وعمله وتوزيعه، تذكر كتب الرحالة والمؤرخين من عرب ومستشرقين أن الدولة الإخشيدية سبقت الدولة الفاطمية في العناية بكعك العيد، وأن أبا بكر محمد بن علي المادرائي وزير الدولة الإخشيدية قام بعمل كعك حشاه بالدنانير الذهبية.
وصار البعض يوزع كعك العيد كنوع من الصدقة على الفقراء، حتى إن بعض الأوقاف عملت على توزيعه في عيد الفطر على اليتامى والفقراء حتى لا يحرموا منه، مثل وقف الأميرة تتر الحجازية الذي كان ينص على توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي أنشأتها سنة 1348 ميلادية، وقد أصبح سكان مصر يتهادونه من وقتها حتى الآن ويتفاخرون بإجادة صنعه.
ويدل كتاب “رمضان زمان” للدكتور أحمد الصاوي، والصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، أن من أبرز مظاهر الاحتفال بيوم عيد الفطر لدى المصريين على مر الزمان، هو ذلك الاهتمام الكبير بأداء صلاة العيد التي يتقدمها الحكام والسلاطين وعمال النواحي وأرباب الوظائف كالقضاة والعلماء في الدول، وتسجل المصادر أن الدولة الفاطمية في طليعة الدول الإسلامية التي اهتمت بالاحتفال بيوم الفطر، كما يروى أن الاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى كانت تتضمن إقامة المواكب المحاطة بأنواع من المرح.
وأما صلاة العيد فكانت تشهد خروج الحكام والسلاطين في مواكب حاشدة تتقدمها الخيالة، وتسير من بوابات قصور الحكام والسلاطين حتى تصل إلى المساجد الكبري في حضور رجال الدولة وكبار التجار والصُّناع وأعداد من مختلف الطوائف.
كسوة العيد
وسجل لنا هذا الكتاب، ما رواه الرحالة والمؤرخون، من العرب والمستشرقين، عن كسوة العيد التي كانت مظهرا مهما من مظاهر الاحتفال بالأعياد لدى المصريين قبل قرون مضت، ونقلوا لنا كيف أن كسوة العيد كانت من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، وهي عادة يرجع تاريخها، حسب المصادر، إلى دولة الخلافة الإسلامية في عصور بني أمية والعباس، والتي كانت قوانينها تقضي بتوزيع الخلع (الملابس) على أرباب الوظائف في الدولة خلال شهر رمضان، وفي بعض العصور كان يوصف عيد الفطر بعيد “الحلل” أي الملابس الجديدة.
وقد أُقيمت لكسوة العيد دار تسمى “دار الكسوة”، و”دار الطراز”، وقد ذاعت شهرة دور الطراز المصرية بما أنتجته من المنسوجات الكتانية والحريرية، التي كانت تصدر في العصور الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية بل والأوروبية.
كما تناول الرحالة والمؤرخون من العرب والمستشرقين قصة “العيدية”، التي تُعرف بالاسم نفسه حتى اليوم في مصر وغيرها من البلدان.
وتقول المصادر التاريخية إن العيدية لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة من نقود في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى، للتوسعة على أرباب الوظائف.
وأما النقود التي كانت تُصرف بها العيدية، فهي محصورة في 3 أنواع هي: الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، وقطع النقود النحاسية، وأجزاؤها من الأنصاف والأرباع.
وهكذا تعددت أحاديث الرحالة والمؤرخين من العرب والمستشرقين عن احتفالات المصريين بالأعياد قديما، وجرى تخصيص فصول خاصة حول هذا الموضوع في الكثير من المصادر التاريخية العربية والأجنبية.