الحرب الإنجليزية العراقية

الحرب الأنجليزية العراقية هي حرب اندلعت بين بريطانيا وحكومة العراق يوم 2 أيار

الحرب الأنجليزية العراقية هي حرب اندلعت بين بريطانيا وحكومة العراق يوم 2 أيار

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين أصبحت الأراضي العراقية خاضعة للانتداب البريطاني الذي استمر حتى عام 1932 حيث منحت بريطانيا المملكة العراقية استقلالها. وكانت بريطانيا قبل ذلك قد وقعت اتفاقا مع العراق عام 1930 يقضي بالسماح للبريطانيين بإنشاء قواعد عسكرية بالعراق والسماح لها بحرية التنقل دون قيود عبر الأراضي العراقية بناء على طلب يقدم للحكومة العراقية.

ثورة رشيد عالي الكيلاني

تشكلت قوى المعارضة ضد حكومة نوري السعيد من ضباط الجيش العراقي بزعامة الفريق حسين فوزي رئيس الأركان العامة والذي تؤيده كتلة المربع الذهبي، وهم مجموعة من الضباط يتزعمهم أربعة عقداء وهم ما يسمون بالعقداء الأربعة بزعامة صلاح الدين الصباغ وكل من فهمي سعيد وكامل شبيب ومحمود سلمان ويونس السبعاوي.

تعاظمت الصيحات المعارضة لنوري السعيد جراء سياساته وازداد عدد معارضوه في الحكومة والبرلمان وفي الأحزاب المعارضة وحتى الموالية وازداد سخط الشارع عليه الناقم على الإنجليز. ومن أهم لأسباب التي أججت الرأي العام في تلك الفترة هي:

1.كانت الاجواء السائدة في العراق تميل للاستقرار وبناء لحمة المجتمع والنهوض بالبلد نحو العمران، بعد انتهاء الانتداب ومنح عصبة الأمم العراق الاستقلال عام 1932.
2.أثرت تداعيات انقلاب بكر صدقي على الرأي العام، الذي أيده الملك غازي الأول من طرف خفي والذي حدث جراء الاحتقان السياسي الذي تسببت به سياسة حكمت سليمان التعسفية ضد القبائل والشخصيات والأحزاب الوطنية، وما تلا ذلك من أحداث كاغتيال جعفر العسكري وزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق، تلك الشخصية السياسية المعروفة والمحسوبة على تكتل نوري السعيد، كون الأخير صهره. ثم فشل الانقلاب واغتيال بكر صدقي في الموصل وهو في طريقه مسافرا إلى تركيا.
3.تفاعل الشارع السياسي مع الملك غازي والمجموعات المدنية والعسكرية الملتفة حوله من أحزاب وضباط وشخصيات وطنية من أمثال رشيد عالي الكيلاني باشا وصلاح الدين الصباغ، جراء تطلعاتها الوطنية والقومية وسياسته في اعمار العراق وبناءه وتعميق استقلاله بالابتعاد عن المعاهدات التي رأى فيها تكبيل العراق بعجلة المصالح البريطانية. منها اتخاذه لبعض الاجراءات الهامة كالتجنيد الإلزامي ودعم الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني والهجرات اليهودية إلى فلسطين ودعم استكمال تحرير سوريا ولبنان من الاحتلال الفرنسي، العمل على إخراج الحامية البريطانية من الكويت والدعوة إلى وحدتها مع العراق، وأيضا ميله إلى ألمانيا في مستهل الحرب العالمية الثانية ووقوفه علنا ضد بريطانيا ودول الحلفاء عام 1939 وهو تاريخ وفاته الغامض والذي راى فيه الشعب اغتيال مدبر تسبب في هياج متعاظم ضد بريطانيا في العراق.
4.محاولات بريطانيا الهيمنة على العراق وسياسته من خلال عقد المعاهدات كمعاهدة سنة 1930م، والعمل على استغلال نفط العراق بأبخس الأثمان. كذلك من خلال الإبقاء على قطعات كبيرة من الجيش البريطاني في قواعد العراق كالحبانية في الفلوجة، والشعيبة في البصرة.
5.اغتيال وزير المالية رستم حيدر في يناير / كانون الثاني عام 1940 وهو من حلفاء نوري السعيد على يد موظف ولأسباب قبلية، استثمرها نوري السعيد للإيقاع بخصومه من خلال اتخاذه لاجراءات قاسية ضدهم.
بدأ التوتر يشوب طرفي المعادلة السياسية، المعارضون والموالون أو التيار الوطني التحرري الذي يتزعمه رشيد عالي الكيلاني باشا ضد التيار الليبرالي الذي يتزعمه نوري السعيد. وفي المقابل حاول معارضو نوري السعيد حشد قادة الجيش والرأي العام ضده بغية اقصائه عن الحكم من جراء سياساته الموالية لبريطانيا والتعسفية بحقهم.

تطورت الأحداث بشكل مضطرد ينبيء بحدوث شرخ كبير في الجيش والبرلمان والاحزاب السياسية، مما انعكس على الشارع الناقم أساسا على الحكومة الموالية لبريطانيا. وأخذ التصدع يتوسع ليشمل مجموعة السبعة من كبار القادة العسكريين المشاركين في الحكم لاسيما رئيس الاركان العامة للقوات المسلحة الفريق حسين فوزي، وكذلك مجموعة المربع الذهبي، مما أدى إلى نذر ازمة ثقة وزارية ترتب عليها ازمة دستورية سميت بأزمة فبراير / شباط 1940.

وعند تفاقم الأزمة الدستورية، لم يكن أمام الحكومة سوى إقالة رئيس الوزراء نوري السعيد المسبب الأول بخلق الأزمة وتفاقمها. إلا أنه حشد مؤيديه مدنيين وعسكريين وبالاتفاق سراً مع حليفه الوصي الأمير عبد الإله الهاشمي، في محاولة لاظهار نفسه على أنه قائد جماهيري يتمتع بتأييد شعبي، حيث طالب مؤيدوه ضرورة إعادة الوصي الأمير عبد الإله لتكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة. تزايدت نقمة الشارع وامتعاض التيارات المناوئة لنوري السعيد من أحزاب وقادة عسكريين من الذين يتمتعون بتاييد جماهيري حاشد، وأدى ذلك بالوصي إلى التردد بتكليف نور السعيد بتشكيل الحكومة الجديدة تحسبا لما قد يجر عليه من ازدياد النقمة التي قد تتحول إلى انتفاضة أو انقلاب.

فسر أنصار نوري السعيد التأخر بتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة بشكل خاطئ، أدت إلى حالة من الاحتقان التي أسهمت في رفع درجة الغليان، الأمر الذي أدى إلى تسارع الأمور بما لا تحمد عقباه، حيث حشد مناصرو نوري باشا قواتهم العسكرية في معسكر الرشيد في الرصافة، عاقدين العزم على احتلال العاصمة بغداد والسيطرة عليها وفرض سياسة الأمر الواقع، في المعسكر المقابل، أصدر رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الفريق حسين فوزي أوامره بوضع قواته في معسكر الوشاش في الكرخ في أهبة الاستعداد حفاظا على أمن العاصمة، وبدا المشهد مهيئاً للانفجار والمواجهة العسكرية، بين الاطراف المتصارعة.

حزم الوصي أمره بعد أن درس أين يكمن توازن القوى، فالقوى الوطنية والتحررية المناوئة لنوري السعيد تملك التاييد الجماهيري الساحق بالمقابل القوى الليبرالية بزعامة نوري السعيد تملك الدعم البريطاني الذي لامناص منه حسب رأي الأمير عبد الإله. بناء على ذلك قرر الوقوف إلى جانب نوري السعيد المتحالف اصلا معه، وتكليفه بتشكيل الوزارة حيث شكل نوري الوزارة الجديدة وانتقم من خصومه بإقالة رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق حسين فوزي والقادة العسكريين المناصرين له.

أدت تلك الإجراءات إلى تفاقم نقمة الجماهير والتيارات الوطنية والقومية والتحررية التواقة للخروج من ربقة الهيمنة البريطانية التي أخذت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلد منها تعيين الموظفين وهيمنة المستشارين على الوزارات والهيمنة الاقتصادية على السوق والعملة والنفط علاوة على السياسة العامة الداخلية والخارجية. وأضحى الوضع قابل للانفجار في أي لحظة، مما أدى إلى عزل الحكومة والتشكيك بوطنيتها.

حاول الوصي اتباع سياسة ترقيعية، فبدلا عن أرضاء الجماهير الغاضبة، عمد إلى اجتماع ضم كبار السياسيين في مارس / آذار من عام 1940 الهدف منه تحجيم دور الجيش في القضايا السياسية والوطنية، وإصدار القرارات التي تحرم تلك الانشطة وجعله جيشا مهنيا فحسب. وكان المقصود بذلك مجموعة السبعة ومجموعة المربع الذهبي.

ولم يتمكن الوصي من اتخاذ اجراءات حاسمة للحد من نشاطات الجيش العراقي السياسية والوطنية بسبب تعاظم سيطرة الضباط الكبار في العملية السياسية والحكم. علاوة على نقمة الشارع وانهيار سمعة الوصي ونوري السعيد والحكومة. الأمر الذي أدى إلى ممارسة القوى الوطنية من سياسيين وعسكريين ضغوطات كبيرة على الحكومة والوصي مما أدى به إلى محاولة إرضائهم بإقالة وزارة نوري السعيد الضعيفة والمعزولة والتي تفتتت بسبب تقديم استقالات الشخوص البارزين فيها.

في نهاية المطاف بدأ الوصي بالتفكير لإرضاء الجماهير الغاضبة والقوى الوطنية من أحزاب وكتل سياسية وعسكرية، بالبحث عن شخص ترضى به كل الاطرف فتوجه إلى رئيس الديوان الملكي حيث حاول اقناع رشيد عالي الكيلاني باشا بتكليفه بتشكيل الوزارة حيث يتميز الكيلاني بقبوله من جميع الاطراف كونه من الشخصيات البارزة في المجتمع والمعروف بمهابته وسمعة الجيدة وسياسته المتوازنة علاوة على ثقافته الواسعة وهدوئه وحنكته السياسية. كان الكيلاني يلقى تأييدا شعبيا كاسحا على خلاف نوري السعيد، ومرد ذلك كون الكيلاني ينتمي لنفس المدرسة الوطنية للملك غازي فقد ارتبط بالملك بعلاقات خاصة وعامة أثرت كثيرا على مواقفهما معا كما سبق وأن عملا سويةً في أكثر من مناسبة، فكان الكيلاني رئيسا لديوان غازي وكاتم أسراره، وعند مصرع الملك في ظروف غامضة دارت الشكوك والوساوس حول مقتله التي كان الشارع والساسة يعتقدون بأن وراءه السفارة البريطانية والوصي ونوري السعيد بسبب مواقفه ضد بريطانيا من جهة، وبسبب تناقض حيثيات حادث مصرعه من جهة أخرى، وكان لمصرع الملك الأثر الكبير على سياسة الكيلاني ومواقفه التي أراد منها التعبير عن وفائه وإخلاصه للملك من خلال التشبث بسياسته وافكاره.

قام رشيد عالي باشا باتخاذ إجراءات مهمة لاحتواء الوضع وامتصاص النقمة والاحتقان السياسي، منها تشكيل ما سمي بالائتلاف الوطني الذي ضم كل من نوري السعيد باشا بمنصب وزير الخارجية، وعدد من كبار الزعامات السياسية والعسكرية من كلا التيارين المتصارعين، ومنها أيضا عدم تنفيذ كل إجراءات الحرب التي أصدرها نوري السعيد، بل اكتفي بتطبيق ما ورد من بنود في معاهدة سنة 1930 لعدم فسح المجال للظهور أمام بريطانيا بمظهر الناكل لتنفيذ المعاهدة.